لماذا ماتت أوبريتات أكتوبر وعاشت أغانى حرب أكتوبر نفسها؟ بل المدهش لماذا ماتت أوبريتات أكتوبر وعاشت أغانى الهزيمة؟!! منذ السنة الأولى بعد انتصار أكتوبر المجيد ومنذ أن كان يشرف على هذه الأوبريتات قطاع الإنتاج المصرى وحتى هذه اللحظة، وبرغم مشاركة كبار الفنانين وكبار المطربين وكبار الملحنين، وبرغم صرف الملايين، فإن هذه الأوبريتات تولد مجهضة، تموت بمجرد أن ترى النور، تعانى الإجهاض المتكرر، نحس معها بأننا أمام مسرحية مدرسية ينقصها الصدق والحميمية، أوبريتات مسلوقة مثلها مثل أكل المستشفيات، صحى لكنه بلا طعم!

على العكس من أوبريتات أكتوبر التى لا تحرك فينا ساكناً، مازالت «على الربابه باغنى» تثير فينا مشاعر الشجن والفرح والحماس والثأر والطرب، ندمع معها وقلبنا يرقص، من أول نغمة نسجها العبقرى بليغ حمدى الذى سكن استوديوهات الإذاعة لا ينتظر مليماً من خزينتها، أحسسنا بأننا أمام فن صادق خرج من القلب ليستقر فى القلب، الله أكبر بسم الله، راجعين، أم البطل.. إلخ، أخرج «موتسارت مصر» بليغ حمدى فى الربابة وبسم الله كل طاقاته الإبداعية المتمردة وصنع لنا الفن الخالد،

كان معه عباقرة آخرون، على رأسهم على إسماعيل الذى ظلمه أهل النقد الفنى وظلمه أيضاً عدم فهم الناس لوظيفة الموزع وضياع تراث فرقة رضا الرائع الذى صنع على إسماعيل ثلاثة أرباع نجاحها.. كلمة السر فى نجاح هذه الأغانى وخلودها على مر الزمن هو الصدق الفنى، والإحساس بأن الفنان لابد أن يصنع مجداً فنياً على مستوى هذا الحدث العظيم، وكلمة السر فى موت أوبريتات أكتوبر هى السبوبة.

المدهش كما قلنا ليس فى خلود أغانى النصر بل فى خلود أغانى الهزيمة!!، تخيلوا أغانى عبدالحليم حافظ أثناء هزيمة ٦٧ أكثر خلوداً من أوبريتات أكتوبر!!، برغم أن معظمها كان يكذب على الناس ويروج لأساطير أحمد سعيد باستثناء أغنية الأبنودى عدى النهار، المدهش أننا نتذكر حتى الآن أغانى حليم وجاهين والطويل ونتذكر بالعافية كلمة من أوبريت أمس الأول!!

نعود الى كلمة السر التى قلناها كحل لهذه الشفرة، الصدق الفنى، لن نناقش كيف صدق هؤلاء الفنانون بيانات ٦٧ الكاذبة ولكنهم كانوا مصدقين ومقتنعين حتى النخاع، منهم من انتحر اكتئاباً ومنهم من شرخته الهزيمة بعد انقشاع ضباب الأكاذيب، ولكنهم ساعتها كانوا مؤمنين بما يفعلون، لكن ما يفعله صنَّاع أوبريتات أكتوبر هو سلق فنى عديم التأثير، يتحول الممثل لعروسة ماريونيت تخطب فى الجموع بصوت معدنى بارد، يتحول الكتَّاب الى كتبة، يتحول الملحن إلى ملقن، يتحول الأوبريت إلى ماكيت!

الإمكانيات الضخمة لا تصنع فناً حقيقياً، والملايين لا تخلق نشوة الفن وسحره الأبدى، من الممكن بملاليم أن تؤثر فى الناس وتلمس شغاف قلوبهم، بمجرد عود وحنجرة لم تصب بصدأ الزيف والكذب من الممكن أن يغنى معك الملايين، لكن بشرط أن تكون صادقاً وفناناً بجد.